دراسات إسلامية

 

 

الطغاة ومحاربة الإصلاح

 

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

 

 

 

 

     لقد كان التحذير من الطغيان في أول الآيات التي نزلت في القرآن الكريم، قال تعالى ﴿كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى سورة العلق الآيات 6-8 كما كان التحذير من العواقب الوخيمة للطغيان، وخطورة نتائجه في الدنيا والآخرة، واضحا في آيات القرآن، حيث إنه ربط بين الطغيان وانتشار الفساد، والذي هو سبب هلاك الأمم ودمارها، قال تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ  فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ سورة الفجر الآيات 6-14 فالطغيان يقترن دائما بالفساد، وهذا واقع مشاهد، ولو لم يدل عليه القرآن، ثم تكون النتيجة الحتمية للاستمرار في هذا الطغيان، أن ينزل العذاب بهؤلاء الذين طغوا، انظر إلى أصحاب الجنة، الذين ذكرهم الله عز وجل، في سورة القلم، لما رأوا جنتهم محترقة أمامهم، قالوا ﴿يا ويلنا إنا كنا طاغين ثم إن لهؤلاء الطغاة يوم القيامة موعدا لن يخلفوه، قال تعالى ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا * إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا سورة النبأ الآيات 21-25 كما يعبر القرآن عن الطغيان بلفظ «العلو» ويعني به الاستكبار والتسلط على خلق الله بالإذلال والجبروت، قال تعالى عن فرعون في سورة الدخان آية 31 ﴿إنه كان عاليا من المسرفين وقال عز وجل في سورة القصص آية 4 ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْـمُفْسِدِينَ﴾ وهكذا نرى العلو والإفساد متلازمين.

     ومنذ فجر التاريخ وهناك حكام وملوك، طغاة جبارون، حاربوا دعاة الإصلاح وأهل الإيمان في كل ملة ودين، وقد كان الرسل وأتباعهم، أول من تعرض للمحاربة والعداوة من هؤلاء، ولكنهم صبروا على ذلك، وطال صبرهم، حتى ظن البعض منهم أن ملك هؤلاء الطغاة لن يزول أبدا، وأنه قد مكن لهم من أمر الدنيا، وقد مد الله في طغيانهم حينا من الدهر، حتى ازدادوا إثما، ثم انتقم منهم، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ومكن للرسل وأتباعهم في الأرض. وهؤلاء الطغاة على مرالعصور تتشابه أفعالهم وأقوالهم، فمنهم من نصب نفسه إلها على العالمين، مثل ما قال فرعون (أنا ربكم الأعلى) سورة النازعات آية 24 أو كما قال النمرود (أنا أحيي وأميت) سورة البقرة آية 258 ومنهم من اتخذ هواه أو أصناما أو أي غير ذلك من الموجودات آلهة من دون الله، وجميعهم يرون كل ما يفعلونه وما يتخذونه من قرارات هو الحق وما عداه هو الباطل، وكأن ما توصلوا إليه هو الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فشرعوا لقومهم، ومن وقع في براثينهم، قوانين ودساتير ما أنزل الله بها من سلطان، وجميعهم استبدوا بالرأي وفرضوه على الشعوب بالقوة، ولم يتركوا لأي قوى معارضة حتى مجرد إبداء الرأي، مثل ما قال فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) سورة غافر آية 29 ومع تطور نظم الحكم في الدول، نجد من هؤلاء الطغاة من زور الانتخابات لصالح حزبه، حتى يتمكن من الاستمرار في حكم البلاد، ومنهم من عدل في الدستور كي يستمر في الحكم مدى الحياة، ومنهم من وظف القضاء ورجاله، ليتمكنوا من البطش بمعارضيهم ولتيسيس الأحكام، وهيمنوا على السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولم يعترفوا بالتعددية والتداول السلمي للسلطة، فنكلوا بمن عارضوهم وساموهم سوء العذاب، وتركوا قوى الأمن وزوار الفجر يعيثون في الوطن فسادا وظلما، وفتحت أبواب المعتقلات وزنازين السجون على مصراعيها، وسيق إليها جموع المعارضين، وعلقت أعواد المشانق في الميادين والأماكن العامة، وسفكت الدماء في الشوارع والأزقة، وقطعت الألسنة وكممت الأفواه وقصفت الأقلام، وهتكت الأعراض وانتهكت الحرمات وسلبت الأموال والأملاك، ومنهم من أشاع الفاحشة والموبقات، وجميعهم يقطعون على أنفسهم عهودا ووعودا، سرعان ما ينكثون بها، ويعودون لسيرتهم الأولى بين طغيان واستبداد. فمنذ أن يقفز الطاغية منهم على السلطة يبدأ بمصادرة أحلام الشعب وطموحاته، قد يوفر بعضا من الخبز، ولكنه يقضي على الحريات ويفسد الأخلاق، حتى ما يحققه من إنجازات، لا يوزع عائدها بعدل على كافة فئات المجتمع، بل يستأثر بها قلة قليلة، حتى بات الشعب مجردا من الأمل في المستقبل، منهم من قام بخصخصة المشروعات العامة لصالح أقربائه ونفر من رجال الأعمال المحسوبين عليه وعلى أسرته والمقربين منه، ومنهم من كدس هو وأسرته وبطانته ثروات هائلة على حساب شعبه المسحوق، وكانت سلطات زوجته تفوق سلطات أي مسؤول في الدولة، فهي التي تعين وتقيل الوزراء والسفراء وكبار المسؤولين في أجهزة الدولة، وسيطرت هي وأسرتها على مجمل النشاطات الاقتصادية في الدولة، وعلى عاتقها يقع تعيين رؤساء المؤسسات الإعلامية ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات والمعيدين ممن يضمن ولائهم لها ولزوجها، ومن هؤلاء الطغاة من استحوذ على كافة المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة، ولم يخل برنامج أو صحيفة يوما عن التحدث والإطراء عليه وعلى أسرته وزبانيته، ومنهم من آمن بالتعايش مع الكيان الصهيوني العنصري وساهم بتواطؤ مكشوف في خسران القضية الفلسطينية وفتح أبواب البلد أمام الموساد، وترك الأسواق أمام غزو المنتجات الإسرائيلية.

     والإنسان يفطرته إذا ما تمكن من سلطة وطال وجوده فيها، مهما كانت صغيرة أو كبيرة، فإنه دون شك سيحتكرها، وإذا لم يحاسب ويراقب فإنه سيفسد فيها وبها بلا حدود، ومعطول فترة حكمه تتكون حوله بطانة من المتطفلين والانتهازيين والفاسدين والمنافقين، تلك البطانة تكون بمثابة عفن من الفساد والظلم حول أي زعيم، ولاشك أبدا أن هذه البطانة الفاسدة حول الحاكم هي التي تصنع طغيانه وهوس الشعب به، مستخدمين في ذلك مختلف الوسائل، ومنها الإعلام والمال والسلطة، لتضليل الحاكم والشعب على حد سواء، فهم يرسلون إشارات التقديس والحب والولاء للحاكم من أبناء شعبه، ويخفون عليه في نفس الوقت ممارسات الظلم والقمع والاضطهاد، فيقدمون له صورة وردية عن حياة الشعوب،وهؤلاء عليهم تقع مسؤولية حشد بسطاء الناس، وعلى أيديهم وألسنتهم يقنع البسطاء في عالمنا العربي بأنها لن يحيوا إلا بهؤلاء الزعماء. وقد كشف القرآن عن تحالف دنس بين أطراف ثلاثة خبيثة:

     الأول: الحاكم المتأله المتجبر في بلاد الله،المتسلط على عباد الله، ويمثله فرعون.

     والثاني: السياسي الوصولي، الذي يسخر ذكاءه وخبرته في خدمة الطاغية، وتثبيت حكمه، وترويض شعبه للخضوع له ويمثله هامان.

     والثالث: الرأسمالي أو الإقطاعي المستفيد من حكم الطاغية، فهويؤيده ببذل بعض ماله، ليكسب أموالا أكثر من عرق الشعب ودمه، ويمثله قارون. ولقد ذكر القرآن هذا الثالوث المتحالف على الإثم والعدوان، ووقوفه في وجه رسالة موسى، حتى أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، قال تعالى ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ سورة غافر الآيات 23-24 وقال تعالى ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ سورة العنكبوت آية39 والعجيب أن قارون كان من قوم موسى، ولم يكن من قوم فرعون، ولكنه بغى على قومه، وانضم إلى عدوهم فرعون، وقبله فرعون معه، دلالة على أن المصالح المادية هي التي جمعت بينهما، برغم اختلاف عروقهما وأنسابهما. فدائما وأبدا يقف خلف الطغاة مغرضون أصحاب مصالح يزينون لهم أعمالهم ويمدحونهم بالباطل ويسبحون بحمدهم، وتلك البطانة هي التي تطبل وتهتف بحياة الطاغية ليلا ونهارا، وتحشد له الملايين من الحمقى والمغفلين بأجر وبدون أجر، فمن مقدرات الشعوب وثرواتها تشترى ذمم هؤلاء الحشود.

     ولم يقصر القرآن حملته على الطغاة المتألهين وحدهم، بل أشرك معهم أقوامهم وشعوبهم الذين اتبعوا أمرهم وساروا في ركابهم، قال تعالى عن قوم نوح ﴿قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا سورة نوح آية 21 وقال سبحانه وتعالى عن عاد قوم هود ﴿وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوْا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوْا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيْدٍ سورة هود آية 59 ويقول جل شأنه عن قوم فرعون ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوْهُ إنَّهُمْ كَانُوْا قَوْمًا فَاسِقِيْنَ سورة الزخرف آية 54 وقال عز وجل ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ سورة هود الآيات 97-98 وإنما حمل الشعوب المسؤولية أو جزءا منها، لأنها هي التي تصنع الفراعنة والطغاة، وهو ما عبر عنه عامة الناس في أمثالهم حين قالوا قبل لفرعون: ما فرعنك؟. قال: لم أجد أحدا يردني!. ولذا فقد عاقب الله تعالى تلك الأمم بالقوارع،فأهلك قوم نوح بالطوفان، وعاد بريح صرصر في يوم نحس تترع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر، وثمود بالصيحة مشرقين وجعل عاليها حجارة من سجيل، وقوم شعيب أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين، وأهلك فرعون وقومه بالغرق ومن قبل بالسنين ونقص الثمرات، وبالجراد والقمل والضفادع والدم والرجز. إلا إنه جل وتعالى شرع بعد ذلك الجهاد لقتال أهل البغي والطغاة، وأمر بالتصدي لكل متكبر جبار، يعادي الحق وأهله، ولماكانت مدرسة الطغاة ستظل تفرز جبابرة مفسدين يريدونها عوجا، يبتلي الله بهم الناس في كل عصر ومصرإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فعلينا ألا نقف عند استلهام العبر والعظة من مصير هؤلاء الطغاة بنهايتهم المفجعة وانهيار أنظمتهم وذهاب دولتهم ودساتيرهم التي لم يتبق منها إلا الأطلال، لتظل عبرة ودرسا عبر التاريخ، ولا نكتفي بدعاء الأرامل واليتامى ولا الأولياء الصالحين من فوق المنابر وبجوار الأضرحة، ولا نعجل حدوث المعجزات والمهلكات الخارجة عن إرادتنا، ولا ننتظر انقلابًا من الخارج أو تآمرًا من الداخل يأتي بمن هو أسوأ ممن كان، ولا أن نصبر على تماديهم في ظلمهم ونعتاد بطشهم، ولكن علينا بالجهاد وترسيخه في نفوسنا وأذهاننا لا نفتل عنه ولا يفتل عنا، وأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، والشهادة التي تنال في مجاهدة حكام الجور هي من أعلى وارفع أنواع الشهادة. فمن حقنا ومن حق أبنائنا وشبابنا أن يطالبوا بتغيير تلك الأنظمة التي جثمت على صدورنا وعقولنا عقودا من الزمن، ومن حقهم أن يروا تبادلا سلميًا للسلطة، ومن حقهم أن يروا أحزابا تنتقل من صف الحكم إلى المعارضة، ومن حقهم أن لا يروا أشخاصا تتعاقب الأجيال وهم وأبناؤهم ممسكون بزمام السلطة والجاه، وكأن ملايين الأمهات لم تلد غيرهم من الكفاءات والقدرات، ومن حق أولئك الشباب أيضا أن يكونوا شركاء في السلطة والثروة والقوة، مستخدمين من أجل ذلك كل وسائل الجهاد. يقول الشاعر الخالد أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوما أراد الحياة

فلابد أن يستجيب القدر...

ولابــد لليل أن ينجــلي

ولابــد للقيـد أن ينكسـر

     ولا يفوتنا أن نذكر بعضا من هؤلاء الطغاة وما آلوا إليه، منهم ملك جبار متمرد، هوالنمرود بن كنعان، ملك بابل بأرض العراق، كان في زمن نبي الله إبراهيم، دفعه طغيانه إلى الكفر بالله والعناد الشديد بل وادعاء الربوبية لنفسه بسبب طول مدته في الملك، إذ قيل إنه ظل أربعمائة سنة في الملك، وعاقبه الله بأن أرسل على جيوشه البعوض ومن كثرة البعوض الذي ملأ الجو لم يروا ضوء الشمس، وسلطها عليهم فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاما، ودخلت بعوضة أنف النمرود وظلت فيها أربعين سنة عذبه الله بها، فكان يأمر حراسه أن يضربوه على رأسه بالمزراب حتى يخفف عنه العذاب، وظل على هذا الحال حتى مات. ونمرود هذا قد ذكر القرآن موقفه من إبراهيم وموقف إبراهيم منه، قال تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْـمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمـَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ سورة البقرة آية 258 فهذا الطاغية يزعم أنه يحيي ويميت، كما أن رب إبراهيم وهو رب العالمين يحيي ويميت، فيحب أن يدين الناس له، كما يدينون لرب إبراهيم!. وبلغ من جرأته في دعوى الإحياء والإمانة، أن جاء برجلين من عرض الطريق، وحكم عليهما بالإعدام بلا جريرة، ونفذ في أحدهما ذلك فورا، وقال: ها قد أمته، وعفا عن الآخر، وقال ها قد أحييته! ألست بهذا أحيي وأميت؟!. وفي زمن سيدنا موسى كان هناك حاكم من أعتى حكام الأرض وأكثرهم جبروتا وكفرا هو فرعون، دفعه غروره لتنصيب نفسه ربا لقومه ﴿أَنَارَبُّكُمُ الأَعْلَىٰ﴾ سورة النازعات آية 24 ﴿وَمَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلٰهٍ غَيْرِيْ سورة القصص آية 38 وفرض رأيه على قومه وأعماهم عن أي رأي أو سبيل ﴿مَا أُرِيْكُمْ إلاَّ مَا أَرىٰ وَمَا أَهْدِيْكُمْ إلاَ سَبِيْلَ الرَّشَادِ فالاستبداد بالرأي هو سمة كل الطغاة، والاعتقاد بأن ما يفعلونه وما يرونه هو الصواب، وما أسهل أن يتهموا دعاة الإصلاح بالتهم الباطلة وهذا ما قاله فرعون على موسى ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُوْنِيْ اَقْتُلْ مُوْسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنّيْ أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِيْنَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الفَسَادَ سورة غافر آية 26. ولا يفوتنا الحديث عن أحد طواغيت العصر، تثبيتا لإخواننا المجاهدين في فلسطين، ألا وهو شارون، الذي وصل به الحال أن يتعفن وهو حي، وتلك نهاية الطغاة، وإن بدت نهاية متميزة تليق بتاريخه الدموي المشحون بالجرائم والمذابح، كانت كل حياته ملوثة بدماء الأبرياء، وسيرته مكتوبة بأنين الضحايا ودموع الثكلى وعذاب الأسرى، وصرخات المعذبين والمقهورين، وكانت أبشع جرائمه طحن عظام أطفال فلسطين، وهم أجمل مقاتلين من أجل الحرية، وتلك جريمة تميز بها شارون بين كل طغاة التاريخ، فاستحق من أجلها تلك النهاية المتميزة حيث تحول جسده إلى صديد، وأيام حياته الأخيرة إلى ألم ربما تتضاءل أمامه آلام النمرود. ذكرت وكالات الأنباء أن الأطباء في المستشفى الذي يرقد فيه شارون، وهو في غيبوبة كاملة، قد أدخلوه غرفة العمليات من أجل إجراء جراحة عاجلة لاستئصال أجزاء من أمعائه تعفنت من جراء إصابتها بالغر غرينا، ها هو جسده بتعفن، وها هم سيستأصلون أجزاء من جسده الواحد تلو الآخر، وهو مازال على قيد الحياة، هكذا نرى عدو الله والإسلام، سفاح صبرا وشاتيلا، وجزار جنين ونابلس، قاتل قادة المجاهدين من أمثال الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي وغيرهم. نراه الآن وقد جعله الله عبرة وعظة للعالمين وكل يوم يرينا الله فيه آية، فمن جلطة في المخ الذي طالما حاك المؤامرات ودبر الاغتيالات وكاد للأمة المحمدية ليل نهار، إلى شلل تام في أطرافه كلها بحيث لا يستطيع أن يحرك حتى جفون عينيه، وهو الذي قاد الجيوش واكتسح سيناء ولبنان وذبح الأسرى المصريين، إلى غيبوبة تامة فلا يعلم ما يدور حوله من قريب ولا بعيد، وهو الذي كان يتحكم في الدول ويلعب بحكامها، كما يلعب القط بالفار، إلى يأس من الشفاء، بحيث يفكر أطباؤه في إدخاله دارا للمعاقين. وكما سقط طغاة وجبارون سقطت أمم وأنظمة، ففي بضع سنوات من تاريخ الإنسانية سقطت أشهر النظم الديكتاتورية في العالم في الاتحاد السوفيتي وفي رومانيا وفي بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وفي بلغاريا وألبانيا، فالباطل لن يدوم وإن طال بقاؤه حينا من الدهر.

*  *  *

*  *



(*)   6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

      الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

      الجوّال : 0101284614

      Email: ashmon59@yahoo.com

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، رمضان – شوال 1434 هـ = يوليو - سبتمبر 2013م ، العدد : 9-10 ، السنة : 37